الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

التعاون بين الاسرة و المدرسة في بناء المجتمع و تقدمه


التعاون بين الاسرة و المدرسة في بناء المجتمع

الحمد الله الذي أرشد الإنسانية إلى ما فيه خيرها وصلاحها، وهداها إلى ما يحقق سعادتها ويضمن لها البقاء في صحة وعافية لتعمر هذه الأرض وتستمر في أداء مهمتها التي هيأها الله لها من الاستخلاف في الأرض، والانتفاع بما في الكون من خيرات ونعيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمين الذي أرسله الله بالبشارة الكبرى وأيده بالمعجزة العظمى:القرآن الكريم بما فيه من آيات بينات تتضمن التشريع الصالح لكل زمان ومكان وبما يحتوي عليه من قواعد عامة وشاملة تنظم حياة الناس في جميع المجالات وتبني المجتمع على أسس ثابتة ومتينة وتعطي كل فرد من أفراد الأسرة ما يستحقه من الاهتمام والرعاية.
فقد هدانا الله سبحانه بواسطة هذا القرآن وجعل أفضل رابطة تربط بين الرجل والمرأة هي رابطة الزواج الذي تسوده المودة والاحترام لقوله تعالى: « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة » الروم الآية 21. 
كما أوصى الإنسان رجالا كانوا أو نساء بالإحسان إلى الوالدين والبر بهما من أجل استمرار الرابطة الأسرية وتقوية أواصرها فقال عز وجل:«وقضى ربك ألا تعبد إياه وبالوالدين إحسانا» (الإسراء).
ورفع عن المرأة ما كان يقع لها من إذيات وسوء معاملة فقال عز وجل: « وعاشروهن بالمعروف، فإن كرتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا…» إلى غير ذلك من التعاليم التي تجعل الإنسان يعيش حياة هادئة سعيدة يتحمل فيها كل فرد من أفراد الأسرة ما تهيئه له طبيعته وينال ما يحتاج من حقوق في ظل التفاهم والتسامح والحلم والإيثار… 
ومن فضل هذا الإسلام على البشرية أن جاءها بمنهاج شامل قويم في تربية النفوس، وتنشئة الأجيال وتكوين الأمم وبناء الحضارات وإرساء قواعد المجد والمدنية… وماذا إلا لتحويل الإنسانية التائهة من ظلمات والشرك والجهالة والضلال والفوضى إلى نور التوحيد والعلم والهدى والاستقرار.
فقال عز وجل: « قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط المستقيم » المائدة.
« التعاون بين الأسرة والمدرسة في بناء المجتمع وتقدمه» موضوع اجتماعي أساسي يهمنا اليوم وغدا وبالخصوص في هذه المراحل الحرجة التي نحياها وتحياها أمتنا العربية الإسلامية، لذلك فإن الموضوع يحتاج إلى دراسة عميقة من خلالها نعمل بالشكل الصحيح على تطبيق مبادئها وتقريريها من أجل النهوض فعلا بالمجتمع العربي الإسلامي.



I. مسؤوليات الأسرة:
للأسرة المسلمة مسؤوليات تتحملها إزاء أفرادها، كما تلعب دورا مهما تجاه الأبناء فهي التي تنجب الأطفال وتمنحهم الاسم والنسب وهي التي ترعاهم منذ ولادتهم إلى سن الرشد، فتوفر لهم الغذاء والمسكن وتسهر على رعاية صحتهم وتلقنهم اللغة والدين والأخلاق والسلوك الحسن وتلحقهم بالمدارس حين بلوغهم السن القانوني وهذه المسؤوليات هي:
1.المسؤولية الدينية: فالأطفال وديعة وأمانة لدى الأسرة، وهي مسؤولة عن إرشادهم إلى ما يزكي فطرتهم الدينية وينظم سلوكهم ـ قال (صلى الله عليه وسلم) « كل مولود يولد على فطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه…» أخرجه مسلم ويقول عز من قائل: « يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة…» التحريم 6. 
فالمسلم كما هو مأمور بحفظ نفسه من النار مأمور كذلك بحفظ أهل بيته منها فيحملهم على عبادة الله وطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
2.المسؤولية التربوية: تقوم الأسرة بدور كبير في التنشئة الاجتماعية للأطفال وتربيتهم على القيم الرفيعة وتمكينهم من أسس المعرفة التي تفتح لهم أبواب العلم، حنى إن بعض المفسرين فسروا قوله تعالى:« قوا أنفسكم وأهليكم » بأن الوقاية من النار لا تكون إلا بالتعليم فالتربية والتعليم مسؤولية الأسرة وسوف تحاسب عليها يوم القيامة فالتعليم حق الجميع ومن حقوق الأبناء على الآباء خاصة ويؤكد ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) «حق الوالد ثلاثة: أن يحسن أسمه وأن يعلمه الكتابة وأن يزوجه » وقوله تعالى: « اقرأ باسم ربك الذي خلق…» سورة العلق الآية 1 وغيرها من الآيات الدالة على وجود التعليم والبحث عن الدين.
3.المسؤولية الاجتماعية: الإسلام يؤكد على صلة الرحم والهدف الاجتماعي من هذا التأكيد هو بقاء الأسرة المسلمة متضامنة، مشبعة بروح الود المتواصل. 
وذو القربى في المنظور الإسلامي هم قربى النسب والمصاهرة فأهل الزوج قربى للزوجة وآهل الزوجة قربى للزوج والإحسان يشمل النسب والمصاهرة وقد قرن الإسلام الإحسان ذوي القربى بالإحسان إلى الوالدين مما يؤكد موقعهم ضمن الأسرة. والإحسان إليهم يكون بزيارتهم وتفقد أحوالهم ورعايتهم وتقديم العون لهم وهذا أكبر مثال للرعاية الاجتماعية في الإسلام. 
4.المسؤولية الاقتصادية: الأسرة مسؤولة عن الرعاية الاجتماعية والاقتصادية للطفل، فهي مسؤولة عن احتياجات أبنائهم المادية وإذا كان الأمر بالإنفاق موكلا إلى الأب بحكم قوامته على البيت فإنه لا يضر إذا تعاون أفراد الأسرة النشيطين على مسؤولية الإنفاق ويكون ذلك بالمعروف وفقا للقاعدة الإسلامية المنصوص عليها في سورة البقرة: الآية 36 «وعلى المُوسِعِ قَدْرُهُ وعلى المُقْتِر قَدْرُهُ » كما يلزم أن يكون من الرزق الحلال لقوله (صلى الله عليه وسلم) « أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله » أخرجه مسلم. 
والإنفاق يشتمل كل التحملات الاقتصادية من مسكن وملبس وتعليم وتطبيب وغير ذلك من الأمور التي يجب الإنفاق على الأبناء فيها.
II.التعاون بين البيت والمسجد والمدرسة: من المعلوم أن مسؤولية البيت تتركز في الدرجة الأولى على التربية الجسيمة للإثم الكبير الذي ينال من يضيع حق أولاده ويهمل معيشته… روى أبو داود عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: « كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» وفي روايه لمسلم: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته»
ومن المؤكد أن رسالة المسجد في الإسلام تركز في الدرجة الأولى على التربية الروحية لما الصلاة الجماعة وقراءة القرآن الكريم من قيوضات ربانية ورحمات إلهية ى تنتهي ولا تنقطع.روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) « صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ما لم يحدث تقول اللهم ارحمه ـ اللهم ارحمه ولا يزال في مصلاه ما انتظر الصلاة ». 
ومن الأمور التي لا يختلف فيها اثنان أن مهمة المدارس تتركز في الدرجة الثانية بعد الأسرة في التربية والتعليم كما للعلم من أثر كبيرة في تكوين شخصية ورفع كرامة الإنسان و من هنا كان فضل العلم عظيما في الإسلام. 
فحينما نقول بتعاون البيت والمسجد والمدرسة فبمعنى هذا أن الإبن قد اكتمل شخصيته وتكون روحيا وعقليا ونفسيا بل كان العضو الفعال في تقدم أمته وإعزاز دينه ومجتمعه… ولكن هذا التعاون لا يتم على الوجه الأكمل إلا بتحقيق شرطين أساسيين: 
1.ألا يكون ازدواجية وتناقض بين توجيه البيت والمدرسة.
2.أن يكون التعاون هادفا لا يجاد التكامل والتوازن في بناء الشخصية الإسلامية. فإذا تم التعاون هدفا وتحت هذين الشرطين فالأبناء يكتمل تكوينهم روحيا وجسميا ويتكونون عقليا ونفسيا.
VI. دور المدرسة في بناء المجتمع: لقد تحدثنا فيما سبق عن دور الأسرة المهم في بناء المجتمع، فإذا كانت الأسرة اللينة الأولى والأساسية لبناء المجتمع فإن المدرسة أيضا لها دور كبير في تتمة هذا البناء ـ بناء المجتمع ـ والأسرة وحدها غير كافي للقيام بمشروع هذا البناء والإصلاح. 
والواقع شاهد على ما نقول بحيث العدد الكبير والمهول الذي تشهده ساحتنا العربية الإسلامية من مدارس وثانويات وجامعات وأكاديميات…كل هذا يجعل من المدرسة والتعليم دور مهم في بناء المجتمع وتقدمه. وصحيح أن الأسرة لها دور كبير في الرقي بالمجتمع لكن هذا الرقي والتقدم بدون المدرسة فإنها تكون فاقدة للنور الذي ينير لها الطريق للوصول بدون تعثر أو ضياع… وكما هناك جانبا مهما لولاه ما تحقق بناء المجتمع إنه المعلم أو الأستاذ الموجه والمرشد والمبين والمربي الذي له فضل كبير في هذا البناء بتزويد الطفل أو الولد بشتى أنواع العلوم والمعارف…




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق